ناء الكون من الخلائق
حتى إذا تكاملت عدة الموتى ، وخلت من سكانها الأرض والسماء ؛ فصاروا خامدين بعد حركاتهم ، فلا حس يسمع ، ولا شخص يرى ؛ وقد بقي الجبار الأعلى كما لم يزل أزلياً واحداً منفرداً بعظمته وجلاله ، ثم لم يفجأ روحك إلا بنداء المنادي لكل الخلائق معك للعرض على الله عز وجل بالذل والصغار منك ومنهم
---------------------------------
الصيحة فتوهم كيف وقوع الصوت في مسمعك وعقلك ، وتفهم بعقلك بأنك تدعى إلى العرض على الملك الأعلى ؛ فطار فؤادك ، وشاب رأسك للنداء ؛ لأنها صيحة واحدة للعرض على ذي الجلال والإكرام والعظمة والكبرياء .
------------------------------------
خروج الأشهاد
فبينا أنت فزع للصوت اذ سمعت بانفراج الأرض عن رأسك وثبت مغبراً من قرنك الى قدمك بغبار قبرك قائماً على قدميك شاخصاً ببصرك نحو النداء وثار الخلائق كلهم معك ثورة واحدة وهم مغبرون من غبار الأرض التى طال فيها بلاؤهم
----------------------------------------
حالك وحال الخلائق
فتوهم نفسك بعريك ، ومذلتك ، وانفرادك بخوفك ، وأحزانك ، وغمومك ، وهمومك في زحمة الخلائق ، عراة حفاة ، صموت أجمعون بالذلة والمسكنة والمخافة والرهبة ، فلا تسمع إلا همس أقدامهم والصوت لمدة المنادي ، والخلائق مقبلون نحوه ، وأنت فيهم مقبل نحو الصوت ، ساع بالخشوع والذلة ؛ حتى إذا وافيت الموقف ازدحمت الأمم كلها من الجن والإنس عراة حفاة ؛ قد نُزع الملك من ملوك الأرض ،ولزمتهم الذلة والصغار ، فهم أذل أهل الجمع وأصغرهم خلقة وقدراً بعد عتوهم وتجبرهم على عباد الله عز وجل في أرضه .
----------------------------------------
ذل الخلائق أمام الملك الجبار
ثم أقبلت الوحوش من البراري وذرى الجبال منكسة رؤوسها لذل يوم القيامة بعد توحشها وانفرادها من الخلائق ذليلة ليوم النشور لغير بلية نابتها ولا خطيئة أصابتها ، فتوهم إقبالها بذلها في اليوم العظيم ليوم العرض والنشور ، وأقبلت السباع بعد ضراوتها وشهامتها منكسة رؤوسها ذليلة ليوم القيامة حتى وقفت من وراء الخلائق بالذل والمسكنة والانكسار للملك الجبار ، وأقبلت الشياطين بعد عتوها وتمردها خاشعة لذل العرض على الله سبحانه ، فسبحانه الذي جمعهم بعد طول البلاء واختلاف خلقهم وطبائعهم وتوحش بعضهم من بعض ، قد أذلهم البعث وجمع بينهم النشور